الصدمات العاطفية الصامتة… جراح لا يراها أحد.

الصدمات العاطفية الصامتة… جراح لا يراها أحد.

كتبت: ياسمين علي. 

في الوقت الذي تحظى فيه الجروح الجسدية بالاهتمام والعلاج الفوري، تبقى الجروح العاطفية من أكثر الأزمات صعوبة وتعقيدًا، لأنها غالبًا ما تُخفى خلف ابتسامات متماسكة وحياة تبدو طبيعية من الخارج. الصدمة العاطفية الصامتة أحد أكثر الموضوعات النفسية شيوعًا، لكنها في الوقت ذاته من أقلها طرحًا وفهمًا.

ما هي الصدمة العاطفية الصامتة؟

هي تلك التجارب المؤلمة التي يمر بها الفرد دون أن يعترف بها أو يمنحها مساحة للتعبير، إما خوفًا من ردود فعل الآخرين، أو لعدم القدرة على استيعاب ما حدث، أو لأن المجتمع يقلل من شأن الألم النفسي مقارنة بالألم الجسدي.

وقد تشمل هذه الصدمات:

فقدان شخص مقرب بطريقة مفاجئة.

خيانة عاطفية غير متوقعة.

عيش طفولة بلا دعم عاطفي كافٍ.

التعرّض للتقليل المستمر أو السخرية أو الإهانة.

صدمات العلاقات السامة التي تُضعف الهوية والثقة.

لماذا تُعد هذه الصدمة موضوعًا شائكًا؟

لأنها غالبًا غير مُعترف بها من الضحية نفسها.

الكثيرون يظنون أن “الوقت سيحلّ المشكلة”، أو أن “غيري مرّ بما هو أصعب”. لكن الحقيقة أن مقارنة الألم تُبطِل الاعتراف به، مما يجعل الصدمة تتجذر وتتحول من تجربة لحظية إلى نمط حياة خفي.

كما أن المجتمع يميل إلى اعتبار التحمل قوة، والبكاء ضعفًا، فيُصبح الفرد أسيرًا لصورة مزيفة من التماسك، بينما داخله ينهار بصمت.

كيف تظهر الصدمات العاطفية الصامتة؟

غالبًا ما تتسرب آثارها على شكل:

حساسية مفرطة تجاه النقد أو الرفض.

فقدان الثقة في الآخرين أو في الذات.

انسحاب اجتماعي مفاجئ دون سبب واضح.

نوبات غضب أو بكاء غير مبررة.

التشتت وفقدان التركيز.

الشعور الدائم بأن الشخص “غير كافٍ”.

المؤلم أن صاحب هذه الأعراض لا يربط بينها وبين الصدمة الأصلية، معتقدًا أنها مجرد “حالة مزاجية” أو “ضعف شخصي”.

خطورة الصمت

ترك الصدمة دون اعتراف أو معالجة يعني السماح لها بالتحكم في قراراتنا وعلاقاتنا وسلوكنا، حتى دون أن ندرك ذلك.

فالإنسان قد يدخل علاقة جديدة وهو يحمل جروح علاقة قديمة، فيكرر الألم من جديد.

وقد يرفض الفرص الجيدة خوفًا من الفشل.

وقد ينعزل لأنه لا يعرف كيف يعود إلى ذاته بعد الانهيار الداخلي.

كيف نتعامل مع الصدمة الصامتة؟

1. الاعتراف بالمشاعر أول خطوة للعلاج

ما نشعر به حقيقي، مهما بدا صغيرًا أو “غير منطقي”.

2. التوقف عن جلد الذات

أنت لست ضعيفًا لأنك تألمت… أنت إنسان.

3. التعبير الآمن عن الألم

سواء عبر الكتابة، الحديث مع شخص موثوق، أو جلسات علاج نفسي.

4. التعامل مع العلاقات السامة بحزم

ليس من الشجاعة البقاء في علاقة تؤذيك… الشجاعة هي الخروج منها.

5. طلب المساعدة دون خجل

العلاج النفسي ليس رفاهية، بل خطوة شجاعة نحو التعافي.

في النهاية…

الصدمة العاطفية الصامتة ليست علامة ضعف، بل انعكاس لحساسية نفسية لم تجد من يحتويها وقت الألم.

والتعافي ليس مستحيلًا، لكنه يبدأ عندما نمنح أنفسنا حق الشعور، وحق الفهم، وحق العلاج.

تغطية موقع جريدة الوطن اليوم الدولي.

اظهر المزيد