التلاعب العاطفي: حين يصبح الشعور وسيلة للسيطرة فهو أحد أكثر أشكال الإساءة النفسية خفاءً وتعقيدًا.

التلاعب العاطفي: حين يصبح الشعور وسيلة للسيطرة.

كتبت:ياسمين علي
يُعد التلاعب العاطفي أحد أكثر أشكال الإساءة النفسية خفاءً وتعقيدًا. فهو لا يعتمد على العنف المباشر أو الكلمات الجارحة، بل يستهدف المشاعر والوعي، ويجعل الضحية تشك في نفسها وتُعيد تقييم قراراتها بطريقة لا تخدم مصالحها. ورغم أن التلاعب قد يبدو أحيانًا لطيفًا أو مغلفًا بمظاهر الاهتمام، إلا أنه يحمل آثارًا عميقة على الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية.
ما هو التلاعب العاطفي؟
التلاعب العاطفي هو سلوك يهدف إلى السيطرة على الآخر أو إجباره على اتخاذ قرارات معينة من خلال استغلال مشاعره، مثل الخوف، الشعور بالذنب، الحب، أو الاحتياج.
يتظاهر المتلاعب بأنه مهتم أو ضعيف أو بحاجة للدعم، لكنه في الحقيقة يسعى إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الطرف الآخر.
كيف يعمل المتلاعب العاطفي؟
يعتمد المتلاعب على مجموعة من الأساليب النفسية التي تؤثر تدريجيًا على الضحية، منها:
1. لعب دور الضحية
يُظهر نفسه دائمًا على أنه الطرف المظلوم أو غير المفهوم، ليجبر الآخر على الشعور بالذنب وتحمّل المسؤولية عنه.
2. التقليل من شأن الآخر
يُضعف ثقة الضحية بنفسها عبر النقد المستمر أو المقارنات، ليجعلها تعتمد عليه في التقييم والقرارات.
3. التذبذب بين الحب والبرود
يعطي اهتمامًا زائدًا ثم ينسحب فجأة، بهدف خلق ارتباك عاطفي يجعل الضحية تسعى لإرضائه بأي شكل.
4. إشعار الضحية بأنها مخطئة دائمًا (التلاعب العقلي – Gaslighting)
يقوم بتغيير الحقائق أو إنكار المواقف ليشكك الضحية في ذاكرتها وحكمها على الأمور.
5. الابتزاز العاطفي
استخدام عبارات مثل:
“لو كنتِ تحبيني ما كنتِ فعلتِ هذا”،
“سأتركك لو لم تفعلي ما أريد”،
وهي أدوات ضغط واضحة.
لماذا نقع في فخ التلاعب العاطفي؟
قد يقع الأشخاص في هذا الفخ بسبب:
الحاجة العاطفية الشديدة أو الخوف من الفقد.
انخفاض تقدير الذات مما يجعلهم أكثر عرضة للّوم.
التعاطف الزائد مع الآخرين رغم عدم وجود توازن.
خبرات طفولة مرتبطة بالإهمال أو النقد.
عدم معرفة الحدود الصحية للعلاقات.
علامات تدل على أنك تتعرض للتلاعب العاطفي
إذا وجدت نفسك تعيش هذه الحالات بشكل متكرر، فقد تكون داخل علاقة غير صحية:
الشعور بالذنب دون سبب واضح.
الخوف من إزعاج الآخر أو إغضابه.
التردد في اتخاذ القرارات بدون موافقته.
الشعور بأنك “لا قيمة لك” أو أنك دائمًا المخطئ.
توتر دائم ورغبة في إرضاء الطرف الآخر بأي ثمن.
فقدان ثقتك بحدسك أو بذاكرتك.
الآثار النفسية للتلاعب العاطفي
التعرض الطويل لهذا النوع من العلاقات يؤدي إلى:
انخفاض تقدير الذات
القلق المستمر والتوتر
الاكتئاب والشعور بالإنهاك العاطفي
العزلة الإجبارية
فقدان القدرة على اتخاذ القرارات
قد تتعافى الضحية بعد انتهاء العلاقة، لكنها غالبًا تحمل آثارًا طويلة تحتاج إلى وعي ودعم.
كيف تحمي نفسك؟
1. ضع حدودًا واضحة
لا تسمح لأحد أن يتحكم في اختياراتك أو يقلل من قيمتك.
2. ثق بحدسك
إذا شعرت بأن شيئًا ما غير مريح… غالبًا هو غير صحي.
3. لا تبرر دائمًا
المتلاعب يستفيد من ضعفك في تبرير نفسك.
4. تحدث مع شخص تثق به
رأي خارجي قد يساعدك على رؤية الأمور بوضوح أكبر.
5. اطلب مساعدة مختلفة
في الحالات المعقدة، العلاج النفسي يساعدك على استعادة قوتك.
خاتمة
التلاعب العاطفي ليس مجرد خلاف عابر أو سوء تفاهم، بل نمط سلوكي يهدف إلى السيطرة وإضعاف الطرف الآخر.
التوعية بهذا النوع من السلوك تمثل الخطوة الأولى لحماية النفس وبناء علاقات صحية تقوم على الاحترام المتبادل، التوازن، والوضوح.
فالعلاقة السليمة هي التي تشعر فيها بالأمان… لا بالخوف، وبـ القيمة… لا بالنقص.
تغطية موقع جريدة الوطن اليوم الدولي.

