تربية الأطفال: رحلة بناء الإنسان قبل بناء السلوك –مقالة نفسية.

تربية الأطفال: رحلة بناء الإنسان قبل بناء السلوك –مقالة نفسية.

كتبت : ياسمين علي
تربية الأطفال ليست مجرد توجيهات يومية أو أوامر قصيرة المدى، بل هي عملية نفسية عميقة تشكل شخصية الإنسان وتؤثر في صحته النفسية مدى الحياة. فالطفل لا يتعلم من الكلمات بقدر ما يتشكل من البيئة، والانفعالات، والطريقة التي يعامله بها الكبار. وفيما يلي رؤية نفسية متوازنة حول أسس التربية الصحية.
أولًا: الاحتياجات النفسية الأساسية للطفل.
تؤكد دراسات علم النفس التنموي أن الطفل يحتاج قبل التعليم والانضباط إلى أربع قواعد نفسية أساسية:
1. الأمان
أن يشعر الطفل أن البيت مكان يمكنه العودة إليه دون خوف من العقاب المهين أو الصراخ أو الإهانة.
الأمان هو الأساس الذي يبنى عليه كل شيء: التعلم، الثقة، والقدرة على اتخاذ القرار.
2. القبول غير المشروط
أن يشعر بأنه محبوب لأنه هو، وليس لأنه متفوق أو هادئ أو مطيع.
القبول يعزز احترام الذات ويقلل من الميل إلى الكذب وإخفاء الأخطاء.
3. الحرية في التعبير
يحتاج الطفل إلى أن يسمع أهله مشاعره، سواء كان غاضبًا، حزينًا، أو خائفًا.
قمع المشاعر يؤدي إلى ضعف في المهارات الاجتماعية وارتفاع القلق لاحقًا.
4. الروتين والاستقرار
الطفل ينمو بشكل أفضل في بيئة منظمة ذات قواعد ثابتة، فالعشوائية تربك دماغه وتنعكس في سلوك مضطرب.
ثانيًا: كيف يتعلم الطفل السلوك؟ العلم يجيب
توضح النظريات النفسية أن الطفل يتعلم عبر ثلاثة مصادر:
1. القدوة (80% من التعلم)
الطفل يشاهد أكثر مما يسمع.
إن رأى calma، سيتعلم الهدوء
وإن رأى صراخًا، سيستخدم الصراخ.
لذا، تعديل سلوك الطفل يبدأ بتعديل سلوك الكبار.
2. التجربة
السماح للطفل أن يخطئ ويتحمل عواقب بسيطة ومناسبة لعمره يعلمه المسؤولية.
الحماية الزائدة تحرمه من اكتساب الخبرة.
3. الارتباط الشرطي العاطفي
النقد القاسي يربط السلوك بالذنب.
أما التوجيه الهادئ فيربط السلوك بالفهم والتحسن.
ثالثًا: الانضباط ليس عقابًا — الانضباط تعليم
الهدف من التربية ليس السيطرة على الطفل بل تعليمه كيف يسيطر على نفسه.
أفضل طرق الانضباط النفسية:
✔ التوجيه بدل التوبيخ
بدل “إنت ليه كسرت الكوباية؟”
نقول: “تعالى نمسحها سوا.. المرة الجاية نمسكها بإيدين.”
✔ العواقب الطبيعية
إن رفض ارتداء الجاكيت، سيشعر بالبرد قليلًا ويتعلم.
العقاب القاسي لا يبني سلوكًا، بل يولّد خوفًا.
✔ الثبات في القواعد
القواعد المتغيرة تربك الطفل وتجعله يتمادى.
✔ المدح على السلوك الإيجابي
“أنا مبسوطة إنك رتّبت سريرك”
يعزز السلوك أكثر من “أنت مهمِل”.
رابعًا: الأخطاء التربوية الأكثر تأثيرًا نفسيًا
❌ الصراخ المتكرر
يسبب مشكلات ثقة بالنفس ويخلق طفلًا خائفًا أو عدوانيًا.
❌ التقليل من مشاعر الطفل
“عيب تعيط” — يؤدي إلى كبت المشاعر وصعوبات في العلاقات.
❌ المقارنة
تزرع الغيرة والنقص وتؤثر على الصحة النفسية طويلة المدى.
❌ التناقض بين الأب والأم
يُربك الطفل ويجعله حائرًا في فهم الحدود.
خامسًا: ما الذي يحتاجه الطفل ليصبح بالغًا سويًا؟
حب واضح ومعلن.
أسرة لا ترفع السقف فوق طاقته.
مساحة للتجربة والخطأ.
علاقات آمنة لا تقوم على الخوف.
حدود ثابتة بدون قسوة.
تشجيع على التفكير وليس الطاعة العمياء.
خاتمة
تربية الأطفال ليست سباقًا لإنتاج طفل مثالي، بل عملية إنسانية هدفها أن نساعد أبناءنا على أن يصبحوا أقوى، أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على فهم أنفسهم والآخرين.
طفل اليوم هو راشد الغد؛ وما نزرعه في سنواته الأولى سيظهر في شخصيته بعد سنوات طويلة.
تغطية موقع جريدة الوطن اليوم الدولي.


